من شام المجد إلى جبل العرب والجزيرة والفرات… نداء من صلب النبوة

يا أهل الشام الكرام، يا من امتزجت دماؤكم في معارك الشرف وبطولات البقاء، من سهول حوران إلى جبال الكرد، ومن شرف بني معروف إلى وقار الشركس، ومن أقصى إدلب إلى نهر الفرات، ومن دير الزور إلى مرابع السويداء، سلامٌ من بني هاشم… من قلب النبوة، من سلالة محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
نحن لسنا طوائف، بل نسيج إنساني واحد. نحن لسنا حدودًا مرسومة، بل قيم متوارثة. وسوريا اليوم ليست امتدادًا للأموية ولا العباسية، بل هي الامتداد الحقيقي لفكر نبي الإنسانية محمدٍ صلى الله عليه وسلم، الذي أسّس أول دولة مدنية تعددية على الأرض، دولة لا تقوم على العرق أو الطقس أو الولاء للأشخاص، بل على العهد، والقانون، وكرامة الإنسان.
وهذا التأسيس لم يكن اجتهادًا بشريًا، بل وحيًا إلهيًا. كما أمر اللهُ إبراهيمَ عليه السلام أن يُنادي الناس جميعًا، فقال:
﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾
أي أن الرسالة موجّهة للناس كلهم، لا لأصحاب عقيدة واحدة، ولا لأمة دون أخرى، بل لجميع بني الإنسان.
وكما قال تعالى عن محمد صلى الله عليه وسلم:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ﴾
وقال:
﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾
أي أن التعدد كان مقصودًا، ومحبوبًا عند الله، لا خطيئة ولا انحرافًا.
ولهذا، لم تكن هجرة النبي من مكة إلى المدينة فرارًا، بل اختيارًا حضاريًا بأمر من الله، لينقل الرسالة من القرية الأحادية إلى المدينة التعددية، من سلطة قريش إلى دولة القانون.
فمكة، وحدها على وجه الأرض، سمح الله لها أن تبقى قرية واحدة العقيدة والطقس، وقال عنها:
﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾
أما خارج مكة، فإن فرض التوحيد واحتكار العقيدة فيه فساد وهلاك.
وفي المدينة، أسّس محمد صلى الله عليه وسلم ميثاقًا، ميثاقًا لا يُشبه كتب الفقه، بل يُشبه الدساتير، جمع بين اليهود والأنصار والمهاجرين، ولم يُلزم أحدًا بالإيمان به، بل ألزمهم جميعًا بالاحترام المتبادل، وبأن يكونوا “أمة من دون الناس”، كما ورد في وثيقة المدينة.
هذه هي سوريا التي نؤمن بها. لا سوريا السيف والخطبة، بل سوريا الميثاق والكلمة. لا سوريا الطوائف، بل سوريا المواطن الحر. سوريا التي يتساوى فيها الكردي والعربي، الدرزي والسني، العلوي والمسيحي، الإسماعيلي والشركسي، وجميع من اختاروا أن يكونوا أحرارًا لا أتباعًا.
من يعادي هذه الفكرة، من يقف ضد مشروع الدولة المدنية، فهو ليس عدوًّا للسياسة، بل عدوٌّ لمحمد صلى الله عليه وسلم نفسه. عدوٌّ لفكره، لعقله، لعقده، لرسالته التي بُعث بها للعالمين، لا لتُختصر بطائفة أو حزب أو إمام.
اليوم… ندعو كل السوريين: تعالوا نكتب عقدًا جديدًا، كما كتب محمدٌ ميثاق المدينة. دون طائفية، دون استئثار، ودون قداسة زائفة. بل بعقل نبيٍّ أقام دولة، لا طقساً. نبيٍّ دعاك لا لتؤمن به فقط، بل لتعيش حرًّا في ظله.
سوريا لا تُختصر بحكم أسرة ولا طائفة، سوريا هي رسالة، فلتكن رسالتنا:
“الإنسان أولاً، كما أراد محمدٌ صلى الله عليه وسلم.”
السيد الشريف نقيب السادة الأشراف في سوريا
رئيس مجلس العشائر العربية
مرجع عشيرة الحديدين في سوريا